فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأما ما نال ذراريهم من الذلة فلا يصحّ تفسير ما في الآية به إلا إذا تعذر حمل الآية على المعنى الحقيقي، وهو لم يتعذر هنا {وكذلك نَجْزِى المفترين} أي: مثل ما فعلنا بهؤلاء نفعل بالمفترين.
والافتراء الكذب، فمن افترى على الله سيناله من الله غضب وذلة في الحياة الدنيا.
وإن لم يكن بنفس ما عوقب به هؤلاء، بل المراد ما يصدق عليه أنه من غضب الله سبحانه، وأن فيه ذلة بأيّ نوع كان {والذين عَمِلُواْ السيئات} أي: سيئة كانت {ثُمَّ تَابُواْ} عنها {مِن بَعْدِ} عملها {وَءامَنُواْ} بالله: {إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا} أي: من بعد هذه التوبة، أو من بعد عمل هذه السيئات التي قد تاب عنها فاعلها وآمن بالله: {لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} أي: كثير الغفران لذنوب عباده وكثير الرحمة لهم.
قوله: {وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الغضب} أصل السكوت: السكون والإمساك، يقال جرى الوادي ثلاثًا ثم سكن، أي أمسك عن الجري.
قيل هذا مثل كأن الغضب كان يغريه على ما فعل، ويقول له: قل لقومك كذا، وألق الألواح، وجرّ برأس أخيك، فترك الإغراء وسكت.
وقيل: هذا الكلام فيه قلب، والأصل: سكت موسى عن الغضب، كقولهم أدخلت الإصبع الخاتم، والخاتم الإصبع.
وأدخلت القلنسوة رأسي، ورأسي القلنسوة.
وقرأ معاوية ابن قرّة {ولما سكن عن موسى الغضب}.
وقرئ {سكت} و{أسكت}.
{أَخَذَ الألواح} التي ألقاها عند غضبه {وَفِى نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ} النسخ نقل ما في كتاب إلى كتاب آخر.
ويقال للأصل الذي كان النقل منه نسخة، وللمنقول نسخة أيضًا.
قال القشيري: والمعنى {وَفِى نُسْخَتِهَا} أي فيما نسخ من الألواح المتكسرة، ونقل إلى الألواح الجديدة {هُدًى وَرَحْمَةً}.
وقيل المعنى: وفيما نسخ له منها، أي من اللوح المحفوظ.
وقيل المعنى: وفيما كتب له فيها هدى ورحمة، فلا يحتاج إلى أصل ينقل عنه، وهذا كما يقال أنسخ ما يقول فلان، أي أثبته في كتابك.
والنسخة فعلة، بمعنى مفعولة كالخطبة.
والهدى ما يهتدون به من الأحكام، والرحمة ما يحصل لهم من الله عند عملهم بما فيها من الرحمة الواسعة.
واللام في {لّلَّذِينَ هُمْ} متعلقة بمحذوف، أي كائنة لهم أو لأجلهم، واللام في {لِرَبّهِمْ يَرْهَبُونَ} للتقوية للفعل، لما كان مفعوله متقدّمًا عليه، فإنه يضعف بذلك بعض الضعف.
وقد صرح الكسائي بأنها زائدة.
وقال الأخفش: هي لام الأجل، أي لأجل ربهم يرهبون.
وقال محمد بن يزيد المبرد: هي متعلقة بمصدر الفعل المذكور، والتقدير: للذين هم رهبتهم لربهم يرهبون.
وقد أخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن أيوب، قال: تلا أبو قلابة هذه الآية: {إِنَّ الذين اتخذوا العجل} إلى قوله: {وكذلك نَجْزِى المفترين} قال: هو جزاء كل مفتر، يكون إلى يوم القيامة أن يذله الله.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس، قال: أعطى موسى التوراة في سبعة ألواح من زبرجد، فيها تبيان لكل شيء وموعظة.
ولما جاء فرأى بني إسرائيل عكوفًا على العجل رمى التوراة من يده فتحطمت، وأقبل على هارون فأخذ برأسه، فرفع الله منها ستة أسباع وبقي سبع {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ مُّوسَى الغضب أَخَذَ الألواح وَفِى نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ} قال: فيما بقي منها.
وأخرج ابن المنذر، عن مجاهد، أو سعيد بن جبير، قال: كانت الألواح من زمرّد، فلما ألقاها موسى ذهب التفصيل، وبقي الهدى والرحمة، وقرأ {وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلًا لكل شيء} وقرأ {ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة} قال: ولم يذكر التفصيل هاهنا. اهـ.

.التفسير المأثور:

{وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)}.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: اعطى الله موسى التوراة ف سبعة الواح من زبرجد فيها تبيان لكل شيء وموعظة التوراة مكتوبة، فلما جاء بها فرأى بني إسرائيل عكوفًا على العجل، فرمى التوراة من يده فتحطمت، وأقبل على هارون فأخذ برأسه، فرفع الله منها ستة أسباع وبقي سبع {ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون} قال: فيما بقي منها.
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن مجاهد. أن سعيد بن جبير قال: كانت الألواح من زمرد، فلما ألقاها موسى ذهب التفصيل وبقي الهدى والرحمة، وقرأ {وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلًا لكل شيء} [الأعراف: 145] وقرأ {ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة} قال: ولم يذكر التفصيل هاهنا.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {واختار موسى قومه سبعين رجلًا لميقاتنا} قال: اختارهم ليقوموا مع هارون على قومه بأمر الله: {فلما أخذتهم الرجفة} تناولتهم الصاعقة حين أخذت قومهم.
وأخرج عبد بن حميد من طريق أبي سعد عن مجاهد {واختار موسى قومه سبعين رجلًا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة} بعد أن خرج موسى بالسبعين من قومه يدعون الله ويسألونه أن يكشف عنهم البلاء فلم يستجب لهم، علم موسى أنهم قد أصابوا من المعصية ما أصاب قومهم. قال أبو سعد: فحدثني محمد بن كعب القرضي قال: فلم يستجب لهم من أجل أنهم لم ينهوهم عن المنكر ولم يأمروهم بالمعروف، فأخذتهم الرجفة فماتوا ثم احياها الله.
وأخرج عبد بن حميد عن الفضل بن عيسى ابن أخي الرقاشي. إن بني إسرائيل قالوا: ذات يوم لموسى: ألست ابن عمنا ومنا وتزعم أنك كلمت رب العزة، فانا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فلما أن أبوا إلا ذلك أوحى الله إلى موسى: ان اختر من قومك سبعين رجلًا. فاختار موسى من قومه سبعين رجلًا خيرة، ثم قال لهم: اخرجوا. فلما برزوا جاءهم ما لا قبل لهم به فأخذتهم الرجفة، قالوا: يا موسى ردنا. فقال لهم موسى: ليس لي من الأمر شيء سألتم شيئًا فجاءكم فماتوا جميعًا، قيل: يا موسى ارجع. قال: رب إلى أين الرجعة؟ {قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا} [الأعراف: 155] إلى قوله: {فسأكتبها للذين يتقون...} [الأعراف: 155] الآية. قال عكرمة: كتبت الرحمة يومئذ لهذه الأمة.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا في كتاب من عاش بعد الموت وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي رضي الله عنه قال: لما حضر أجل هارون أوحى الله إلى موسى: أن انطلق أنت وهرون وابن هارون إلى غار في الجبل فأنا قابض روحه، فانطلق موسى وهرون وابن هرون، فما انتهوا إلى الغار دخلوا فإذا سري، فاضطجع عليه موسى ثم قام عنه فقال: ما أحسن هذا المكان يا هرون، فاضطجع هارون فقبض روحه، فرجع موسى وابن هارون إلى بني إسرائيل حزينين.
فقالوا له: اين هرون؟ قال: مات. قالوا: بل قتلته، كنت تعلم أنا نحبه. فقال لهم موسى: ويلكم أقتل أخي وقد سألته الله وزيرًا، ولو أني أردت قتله أكان ابنه يدعني!؟ قالوا له: بلى قتلته حسدتناه. قال: فاختاروا سبعين رجلًا فانطلق بهم، فمرض رجلان في الطريق فخط عليهما خطًا، فانطلق موسى وابن هارون وبنو إسرائيل حتى انتهوا إلى هرون، فقال: يا هارون من قتلك؟ قال: لم يقتلني أحد ولكني مت قالوا: ما تقضي يا موسى ادع لنا ربك يجعلنا أنبياء. قال: فأخذتهم الرجفة فصعقوا وصعق الرجلان اللذان خلفوا، وقام موسى يدعو ربه {لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا} فأحياهم الله فرجعوا إلى قومهم أنبياء. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {وَلَمَّا سَكَتَ} السُّكُوتَ والسُّكَاتُ قطعُ الكلامِ، وهو هنا استعارةٌ بديعة.
قال الزمخشريُّ: هذا مثلٌ كأنَ الغضبُّ كان يُغْريهِ على ما فعل ويقول له: قل لقومك كذا، وألْقِ الألواحَ وخُذْ برأس أخيك إليك، فترك النُّطق بذلك، وترك الإغراء به، ولم يستحسن هذه الكلمة، ولمْ يَسْتفصِحْهَا كلُّ ذي طبع سليم وذوق صحيح إلاَّ لذلك، ولأنَّهُ من قبيل شُعَب البلاغة، وإلاَّ فما لقراءة معاوية بن قرة: ولمَّا سَكَنَ بالنُّونِ، لا تجدُ النَّفس عندها شيئًا من تلك الهمزة وطرفًا من تلك الرَّوعة؟
وقيل: شَبَّه جمود الغذب بانقطاع كلام المُتكلِّم.
قال يونسُ: سال الوادي ثم سكت فهذا أيضًا استعارةٌ.
وقال الزَّجَّاجُ: مصدر: سَكَتَ الغَضَبُ: السكتةُ، ومصدر: سَكَتَ الرَّجلُ: السُّكُوتُ وهو يقتضي أن يكون سكت الغضبُ فعلًا على حدته.
وقيل: هذا من باب القلب، والأصلُ: ولما سكت موسى عن الغضب، نحو: أدْخَلْتُ القَلَنْسُوةَ في رَأسِي، أي: أدخلت رأسي في القلنسوة.
قاله عكرمةُ: وهذا ينبغي أن لا يجوز لعدم الاحتياج إليه، مع ما في القلب من الخلافِ المُتقدِّم.
وقيل المُرادُ بالسُّكوت: السُّكون والزَّوال، وعلى هذا جاز سَكَتَ عن مُوسَى الغَضَبُ ولا يجوزُ صمت؛ لأن سَكَتَ بمعنى سكن، وأما صَمَتَ بمعنى سدَّ فاه عن الكلام، فلا يجوزُ في الغضب.
قوله: {لِلَّذِين} متعلق بمحذوف؛ لأنه صفةٌ لرَحْمَة أي: رحمة كائنة للَّذين، يجوزُ أن تكون اللاَّم لامَ المفعول من أجله، كأنَّه قيل: هُدىً ورحمةٌ لأجْلِ هؤلاء، وهُمْ مبتدأ ويَرْهَبُونَ خبره، والجملةُ صلة الموصول.
قوله: {لِرَبِّهم يَرْهَبُونَ} في هذه اللاَّم أربعةُ أوجُهٍ:
أحدها أنَّ اللاَّم مقوية للفعل لأنَّهُ لمَّا تقدَّم معمولُه ضَعُفَ فقوي باللاَّم كقوله: {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43] وقد تقدَّم أنَّ اللاَّم تكونُ مقويةً حيث كان العاملُ مؤخرًا أو فرعًا نحو: {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} [هود: 107] ولا تُزَادُ في غير هذين إلا ضرورةً عند بعضهم؛ كقول الشاعر: [الوافر]
ولمَّا أنْ تَواقَفْنَا قَليلًا ** أنَخْنَا لِلكَلاكِلِ فَارْتَمَيْنَا

أو في قليل عند آخرين؛ كقوله تعالى: {رَدِفَ لَكُم} [النمل: 72].
والثاني: أنَّ اللاَّم لامُ العلَّةِ وعلى هذا فمفعولُ يَرْهَبُونَ محذوفٌ، تقديره: يرهبون عقابه لأجله، أي لأجل ربهم لا رياء ولا سمعة وهذا مذهب الأخفش.
الثالث: أنَّها متعلقةٌ بمصدرٍ محذوف، تقديره: الذين هم رهبتهم لربهم.
وهو قول المُبَرِّدِ وهذا غيرُ جارٍ على قواعد البصريين، لأنَّهُ يَلْزَمُ منه حذَفُ المصدر، وإبقاءُ معموله، وهو ممتنعٌ إلاَّ في شعرٍ، وأيضًا فهو تقدير مخرج للكلام عن فصاحته.
الرابع: أنَّخا متعلقةٌ بفعلٍ مُقَدِّرٍ أيضًا، تقديره: يخشعون لربَّه.
وذكرهُ أبُوا البقاء، وهو أولى مِمَّا قبله.
وقال ابْنُ الخطيبِ: قد يزادُ حرفُ الجرِّ في المفعول، وإن كان الفعل متعديًا، كقوله: قرأتُ في السُّورة وقرأ السُّورة، وألْقَى يَدَهُ وألقى بيده، قال تعالى: {أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ الله يرى} [العلق: 4] فعلى هذا تكون هذه اللام صلةً وتأكيدًا كقوله: {رَدِفَ لَكُم} [النمل: 72]، وقد ذكروا مثل هذا في قوله: {وَلاَ تؤمنوا إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ} [آل عمران: 73]. اهـ.